لمواكبة التطورات العالمية في الحقوق والحريات.. المغرب يتجه لاعتماد العقوبات البديلة

لمواكبة التطورات العالمية في الحقوق والحريات.. المغرب يتجه لاعتماد العقوبات البديلة

-أستاذ قانون في جامعة محمد الخامس بالرباط: اتجاه المغرب إلى اعتماد العقوبات البديلة يأتي في سياق البحث عن عقوبات بعيدة عن الحد من الحريات

-رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان: هذا المستجد نقطة إيجابية ومن شأنه أن يحدث تغييراً مهمّاً في السياسة الجنائية بالبلاد

-أستاذ علوم سياسية في جامعة محمد الخامس بالرباط: العقوبات البديلة ستخفف من اكتظاظ السجون وستخفض نفقات المرافق السجنية

-الناطق الرسمي باسم الحكومة: العقوبات البديلة لا تنطبق إلا على الجنح التي لا تتجاوز عقوبتها 5 سنوات

-المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج تتوقع تجاوز عدد السجناء في المغرب 100 ألف سجين وسجينة سنة 2026

المغرب- سامي جولال

من أجل مواكبة التطورات التي يشهدها العالم في مجال الحريات والحقوق العامة، يتجه المغرب إلى اعتماد العقوبات البديلة لمجموعة من العقوبات السالبة للحرية، في إطار فلسفة قوامها الحفاظ على التوازن بين حقوق الإنسان وحقوق المجتمع، الأمر الذي اعتبرته مصادر مغربية تحدثت إليها "جسور بوست" نقطة إيجابية، وتقدماً ملموساً، وأن من شأنه أن يحدث تغييراً مهمّاً على مستوى السياسة الجنائية في البلاد، وسينتج عنه التخفيف من اكتظاظ السجون، وجعلها أكثر إنسانية، وتخفيض النفقات الخاصة بالمرافق السجنية، في وقت تبين فيه أن منطق السياسة الجنائية، الذي يقوم على الحد من الحرية، وتقييد حريات الأشخاص، ليس كفيلاً دائماً بالحد من الجرائم، وتحقيق أهداف المجتمع ومقتضيات القانون الجنائي. 

وصادق المجلس الحكومي المغربي على مشروع القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، الذي يأتي -بحسب وكالة الأنباء المغربية الرسمية- لمواكبة التطورات، التي يشهدها العالم في مجال الحريات والحقوق العامة، من خلال إيجاد بدائل للعقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة، والحد من آثارها السلبية، وفتح المجال للمستفيدين منها للتأهيل والاندماج داخل المجتمع، للمساهمة في الحد من مشكل الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية، وترشيد التكاليف.

واعتبر الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أن مشروع القانون المذكور خطوة مهمة ومتقدمة، من شأنها تعزيز صورة المغرب بلدا رائدا في الدفاع عن حقوق الإنسان، موضحاً أنه يروم تخفيض عدد الساكنة السجنية، والسماح بإعادة إدماج بعض المحكومين على خلفية ارتكاب جنح بسيطة داخل المجتمع، وأن الحكومة تقدم على هذه الخطوة الإصلاحية الكبرى لأول مرة، في إطار فلسفة قوامها الحفاظ على التوازن بين حقوق الإنسان وحقوق المجتمع.

وأضاف بايتاس أن العقوبات البديلة تعد فرصة يمكن أن يقدمها القاضي في إطار سلطته التقديرية، من خلال تفعيل هذه العقوبات، المتمثلة في المنفعة العامة، والمراقبة الإلكترونية، وتقييد بعض الحقوق، وفرض تدابير رقابية، أو علاجية، أو تأهيلية، في إطار مسطرة قضائية يجب اتباعها إلى حين استكمال كل مسارات التقاضي.

وأكد بايتاس أن العقوبات البديلة لن تطبق إلا على الجنح التي لا تتجاوز عقوبتها 5 سنوات، مضيفا أن القضايا المتعلقة بالإرهاب، والاتجار الدولي في المخدرات والمؤثرات العقلية، والاتجار في البشر، والاغتصاب، وأمن الدولة، والاختلاس، والغدر، والرشوة، واستغلال النفوذ، وتبديد الأموال العمومية، وغسيل الأموال، والاستغلال الجنسي للقاصرين أو الأشخاص في وضعية إعاقة، لا يمكن أن تكون موضوع تدابير العقوبات البديلة.

التحاق بالتوجه العالمي

وعن أسباب توجه المغرب نحو اعتماد العقوبات البديلة، قال أستاذ القانون العام في جامعة محمد الخامس بالرباط، عبدالحفيظ أدمينو، إن "هناك السياق المرتبط بفلسفة السياسات الجنائية من جهة، وهناك كذلك عوامل مرتبطة بتدبير الفعل الجنائي داخل الدولة والمجتمع، وأن التوجه اليوم نحو العقوبات البديلة، أي العقوبات التي تحل محل العقوبات الكلاسيكية، يأتي بعدما تبين بالفعل أن منطق السياسة الجنائية، الذي يقوم على الحد من الحرية، وتقييد حريات الأشخاص، ليس كفيلاً دائماً بالحد من الجرائم من جهة، وتحقيق أهداف المجتمع، أو في نهاية المطاف مقتضيات القانون الجنائي، المتمثلة في الحفاظ على النظام العام للمجتمع، من خلال الحفاظ على حقوق الناس، والأمن العمومي، والصحة العمومية، والساكنة العامة، والحقوق المرتبطة بالأشخاص".

عبدالحفيظ أدمينو

وأضاف أدمينو، في تصريحات لـ "جسور بوست"، أن "التوجه اليوم على المستوى العالمي هو أن السياسات الجنائية عبر العالم تتجه إلى البحث عن عقوبات تبتعد كثيراً عن هذا البعد الجزائي العقابي، والمرتبط أساساً بالحد من الحريات، خاصة في بعض الجرائم التي لا تستدعي هذا النوع من عقوبات الحبس أو الغرامات المادية الباهظة، وأن المغرب على غرار مجموعة من الدول اتجه أيضاً إلى إقرار هذا النوع من العقوبات، المرتبطة أساساً مثلاً إما بتصريف العقوبة من خلال القيام بأعمال لفائدة المجتمع ترتبط بالمصلحة العامة، أو مراقبة الأشخاص الذين قد يشكلون خطراً على المجتمع، من خلال استخدام العديد من الوسائل الإلكترونية كالسوار الإلكتروني وغيره"، مردفاً أن "بعض الدول اتجهت إلى إمكانية تعويض العقوبة بالمقابل المادي، وهو الأمر الذي لم يتجه إليه القانون الجنائي المغربي"، بحسب أدمينو. 

وتأتي هذه الخطوة المغربية بعد الاطلاع على العديد من التجارب المقارنة، ومراعاة خصوصية المجتمع المغربي، لكي تكون ناجعة، وقابلة للتنفيذ، وتحقق الغاية المتوخاة منها، مع استثناء الجرائم، التي لا يحكم فيها بالعقوبات البديلة، نظراً لخطورتها، وأخذاً بعين الاعتبار حالات العودة، التي لا يتحقق فيها الردع المطلوب، بحسب وكالة الأنباء المغربية الرسمية.

نقطة إيجابية وتقدم ملموس

وأفاد رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، والنائب البرلماني المغربي السابق، عادل تشيكيطو، بأن هذا المستجد القانوني والتشريعي، الذي تقدمت به الحكومة في صيغة مشروع قانون إلى البرلمان، نقطة إيجابية، وتقدم ملموس في ما يتعلق بالعملية التشريعية، وبأن إيجابياته كثيرة، وبأن من شأنه أن يحدث تغييراً مهمّاً على مستوى السياسة الجنائية في البلاد، بينما سلبياته منعدمة إلى حد ما، إذا لم تتعرض هذه العملية إلى حوادث سير، لأن العملية التشريعية تخضع لمسطرة التشريع، والتعديلات، والمقترحات التي يمكن أن تضيفها الحكومة، أو الفرق البرلمانية، ويصادق عليها البرلمان، ويمكن أن يخرج هذا المنتوج التشريعي في صيغة غير الصيغة، التي تم تقديمها في المرحلة الأولى".

عادل تشيكيطو

وأضاف تشيكيطو، في حديثه لـ "جسور بوست"، أن "هذا المستجد التشريعي المتمثل في العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية، من شأنه أن يساهم في تحديث المنظومة التشريعية، وأن يضمن أيضاً المحاكمة العادلة، إلى جانب إعادة النظر في السياسات العقابية في مجال الزجر"، متمنيا أن "تكون هذه هي البداية للنظر في السياسة العقابية في مجموعة من القضايا".

وبيَّن تشيكيطو أن العقوبات البديلة "ستستفيد منها الدولة، وأيضاً المتقاضون أو المتهمون، الذين يتابعون في قضايا صغيرة"، مردفاً أنه "من أكثر المؤسسات المستفيدة من هذا الأمر، نجد المؤسسة السجنية، لأن نحو 40% من السجناء المحكومين اليوم في السجون، أو الذين يقضون فترتهم العقابية في السجون المغربية، محكومون بأحكام تقل عن سنتين، إضافة إلى السجناء أو النزلاء، الذين لم يتم البث بعد في قضاياهم، وهم الآن معتقلون في إطار المتابعة في حالة اعتقال".

وأبرز تشيكيطو أن "الدولة ستغير عبر هذا القانون وهذه المبادرة مفهوم السياسات العقابية في بلادنا لدى الرأي العام، وبالتالي سيصبح مفهوم العقاب مرتبطاً بشكل أساسي بماذا سيستفيد منك المجتمع إذا تمت معاقبتك، وأنه عندما نرسل المجرمين إلى السجن، تتضرر ميزانية الدولة، لأنه يصرف عليهم ملايين الدراهم سنويّاً، ولكن عندما يتم طرح بدائل عقابية، سيستفيد منهم المجتمع في الخدمة العمومية، وفي الورش الاجتماعية، وغيرها من البدائل، التي تم طرحها على مستوى هذا القانون".

وختم تشيكيطو تصريحاته لـ "جسور بوست" بالقول إن "هذه السياسة العقابية الجديدة، التي سيتم نهجها، مبادرة جيدة في المجمل، وإن المغرب تأخر بشكل كبير في التعاطي مع هذه العملية، وإن المنظمات الحقوقية طالبت بذلك منذ سنوات عديدة، وكانت تؤكد أن المغرب، أو السياسة الجنائية في بلادنا، عليها أن تنظر إلى مفهوم العقاب المتضمن على مستوى المنظومة الجنائية وعلى مستوى القانون الجنائي، وأن المشرع كان متردداً، وأنهم كانوا يأملون أن تبادر الفرق البرلمانية، أو البرلمان، إلى ذلك، وأن هذا الأمر تضمنته مجموعة من المذكرات، التي رفعوها إلى البرلمان".

وارتفع عدد المعتقلين بشكل عام خلال 5 سنوات من 2018 إلى 2022 من 83757 إلى 97204، بحسب المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، التي تتوقع أن يتجاوز عدد السجناء في المغرب في سنة 2026 الـ100 ألف سجين وسجينة، وأن يرتفع عدد المعتقلين الاحتياطيين إلى أكثر من 40 ألفا.

تخفيف الاكتظاظ وتخفيف النفقات

ومن جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس بالرباط، عبدالحميد بنخطاب، إن "من بين الإيجابيات الأساسية للعقوبات البديلة، تخفيض عدد المعتقلين، والتخفيف من اكتظاظ السجون"، مبرزاً أن "السجون هي مؤسسات عقابية تكلف موارد الدولة الكثير من النفقات، ومن ثم كان لزاماً على المشرع أن يجد حلولاً تخفف من اكتظاظ السجون، خصوصاً عندما نعلم أن اكتظاظ السجون كان ولا يزال سببا مباشراً في تحول السجون إلى فضاءات خارج القانون، وإلى فضاءات لا تحترم الشروط الدنيا لحقوق الإنسان وحقوق السجناء، وأن التخفيف من اكتظاظ السجون له علاقة مباشرة بأنسنة هذه الفضاءات، وجعلها أكثر إنسانية، وأيضاً دفعها لتلعب أدوارها الأساسية في إدماج وإصلاح المعتقلين، وأن هذا هو الفكر الأساسي وراء هذه العقوبات البديلة". 

عبدالحميد بنخطاب

وأضاف بنخطاب أن "العقوبات البديلة تسمح أيضاً بتخفيض النفقات الخاصة بمرافق السجون، خصوصاً بالنسبة للعقوبات الصغيرة، والمخالفات أو الجرائم التي لا تتطلب مدداً كبيرة في السجن، وأن العقوبات البديلة تموضعها من أجل التخفيف من اكتظاظ السجون، والتخفيف من النفقات المتعلقة بالسجون وبالسياسات العقابية، ومن ثم تدفع في اتجاه أنسنة ظروف الاعتقال"، مردفاً أن "هذه هي الحسنات الكبرى بالنسبة للعقوبات البديلة، خصوصاً بالنسبة لواقع أو لسياق قانوني مثل السياق المغربي، حيث إن أكثر من 40% من السجناء في المغرب هم سجناء احتياطيون، أي لم يحاكموا بعد، أو أن عقوباتهم صغيرة، وهو ما يسبب -وفق بنخطاب- اكتظاظاً كبيراً في السجون، ويخلق أيضاً ظروفاً إنسانية كثيرا ما تم انتقادها في المغرب". 

وفي المقابل، بيَّن بنخطاب أن "العقوبات البديلة لها بعض المساوئ، إذ يمكن أن تفرغ -بحسبه-العملية العقابية من محتواها، على اعتبار أن استكمال المدة الحبسية بشكل إلكتروني أو رقمي داخل المنزل، أو في مؤسسات خاصة في هذا المجال، ربما قد يقلل من فكرة العقوبة، ويجعلها فارغة من دلالاتها بالنسبة للمحكوم، إضافة إلى أن هناك مشكلات تتعلق بفعالية الأجهزة الإلكترونية، التي يتم استعمالها في هذا الباب، التي يمكن أن يتم التلاعب بها، أو يمكن ألا تشتغل بشكل فعال إذا تعرضت لخلل تقني، وأن هناك أيضاً عقوبات بديلة تتطلب ربما نفقات إضافية، خصوصاً في ما يتعلق بالعقوبات ذات البعد الاجتماعي، التي تتطلب إدماج المعتقلين أو المجرمين ضمن مؤسسات رقابية، وإدماجية، وتعليمية، أو نفسية، التي تكون نفقاتها مرتفعة في بعض الأحيان بالنسبة للدولة وخزينتها".


 
 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية